أسباب مرض التوحد
منذ الأربعينيات من القرن العشرين، عندما بدأوا في البحث في موضوع التوحد، نشر الدراسات حول الموضوع وتشخيص حالات التوحد المختلفة، تناولوا مسألة ما هي أسباب الظاهرة. لا تزال إجابة السؤال مجهولة حتى يومنا هذا، لكن التصور السائد هو أن مرض التوحد ظاهرة معقدة تتأثر بمزيج من العوامل الجينية (بعضها وراثي) والمؤثرات البيئية.
سنحاول في المقال التالي التأكيد على عوامل الخطر الفريدة التي يمكن أن تؤثر على ولادة طفل أو فتاة مصابة بالتوحد، ودحض الخرافات غير الصحيحة حول مرض التوحد، وقبل كل شيء، زيادة الوعي بالاضطراب وتقليل التعرض للعوامل التي تؤثر عليه. إذا كنتم والدين أو ستصبحون والدين في المستقبل، فهذا المقال مخصص لكم خصيصًا.
عوامل خطر الإصابة بالتوحد
على الرغم من أنه من المستحيل حاليًا تحديد سبب فريد للإصابة بالتوحد، إلا أنه من المعروف أن هناك حالات محددة تزيد من خطر الإصابة بها، بما في ذلك:
- كبر عمر الوالدين، وخاصة عمر الأب.
- حالات الحمل المتكررة التي يكون الفرق بينها أقل من سنة.
- الأولاد معرضون لخطر الإصابة بمرض التوحد بنسبة 4 مرات أعلى من البنات.
- إن ولادة طفل او طفلة مصابة بالتوحد تزيد من خطر الإصابة بالتوحد لدى الأطفال اللاحقين. يتعرض إخوة وأخوات الطفل او الطفلة المصابة بالتوحد لخطر تشخيص طيف التوحد بنسبة تتراوح بين %20- %5 (حوالي %20 بين الأولاد و- %7- %9 بين الفتيات).
عوامل الخطر أثناء الحمل
يعتبر الحمل من الفترات الحرجة في تطور دماغ الجنين ومن ثم الصبي أو الفتاة. لهذا السبب، يقترح أن البيئة داخل الرحم لها تأثير على نمو الدماغ الطبيعي. كما أن هناك عدة عوامل تبين أنها مرتبطة بزيادة معدل الإصابة بالتوحد، لكن لم يتم إثبات وجود علاقة سببية بينها حتى الآن.
هذه بعض العوامل:
- خلل في عمل الغدة الدرقية للأم: حتى النقص الخفيف في نشاط الغدة الدرقية يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالتوحد.
- مضاعفات الحمل: مع التركيز على الولادة المبكرة (الخُدّج)، وزن الولادة منخفض، تسمم الحمل، سكري الحمل، انفصال المشيمة، تأخر نمو الجنين داخل الرحم وكذلك انقطاع إمدادات الأكسجين أثناء الولادة.
- انخفاض مستويات الفيتامينات والمعادن أثناء الحمل: عدم تناول أو تناول جرعة منخفضة جدًا من حمض الفوليك المهم لتطور الجهاز العصبي المركزي، انخفاض مستوى فيتامين د، أو فقر الدم بسبب نقص الحديد.
- الالتهابات الفيروسية (الفيروسية) والبكتيرية أثناء الحمل: التطعيم ضد العوامل الفيروسية قبل الحمل (الأنفلونزا، الجدري المائي، الحصبة الألمانية) قد يقلل من خطر الإصابة بالأمراض أثناء الحمل.
- شرب الكحول وتناول أدوية معيّنة: عليك الامتناع التام عن شرب الكحول والتدخين وتناول الأدوية أثناء الحمل ومراجعة طبيبك حول مدى سلامة الأدوية المزمنة أثناء الحمل.
- تحفيز أو تسريع المخاض بواسطة هرمون الأوكسيتوسين: في السنوات الأخيرة، تم نشر العديد من الدراسات التي وجدت صلة بين تحفيز أو تسريع المخاض بواسطة هرمون الأوكسيتوسين (الهرمون المسؤول، من بين أمور أخرى، عن انقباضات الرحم) وزيادة في خطر الإصابة بالتوحد بين المواليد. والتفسير المحتمل لذلك يكمن في أن هذا الهرمون له تأثير على الأداء الاجتماعي لدى الإنسان، كما أن تناوله بجرعة عالية عند الولادة قد يؤثر على آليات الإفراز الداخلي في دماغ المولود الجديد.
- التخصيب في المختبر (IVF): وجد في بعض الدراسات أنه يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالتوحد، إلا أن الآراء في عالم الطب منقسمة حول هذا الأمر.
دحض الخرافات حول مرض التوحد
هناك مجموعة متنوعة من المفاهيم الخاطئة والأساطير التي ترسخت في المجتمع على مر السنين. هذه التصورات، التي غالبا ما تنبع من نقص المعلومات أو المعلومات الخاطئة، لا تؤثر فقط على كيفية تعامل المجتمع مع الأشخاص الذين يعانون من هذا الطيف، ولكن أيضا على نوعية حياتهم وتكافؤ الفرص. إن فضح هذه الخرافات وفهم الواقع المعقد لمرض التوحد أمر مهم لإنشاء مجتمع أكثر شمولاً وتمكينًا.
هذه بعض الخرافات الشائعة التي من المهم دحضها:
هناك علاقة بين التطعيمات والتوحد
غير صحيح!
أظهر الخبراء الدوليون ونتائج الدراسات التي أجريت حول هذا الموضوع بشكل قاطع أنه لا توجد علاقة بين اللقاحات (بما في ذلك لقاح الحصبة، النكاف والحصبة الألمانية MMR) وتطور مرض التوحد.
التوحد هو مرض
غير صحيح!
التوحد هو حالة عصبية، وبالتالي لا يمكن "علاجه" أيضًا - ولكن الفهم، العلاج والدعم يتكيفان مع الاحتياجات الفريدة للشخص الموجود في الطيف.
هناك علاقة بين التوحد والقدرات الفكرية والموهبة
غير صحيح!
فالتوحد ليس إعاقة عقلية وبالتالي لا يرتبط بقدرات الشخص الفكرية أو المعرفية. هناك أشخاص مصابون بالتوحد يظهرون قدرات فكرية عالية، وهناك من هم أقل منها. بالإضافة إلى ذلك، فإنه لا يؤثر على موهبة الفرد أو قدراته الإبداعية بشكل مباشر.
الأشخاص المصابون بمرض التوحد لا يفهمون العواطف
غير صحيح!
يثبت الواقع أن العديد من الأشخاص في السلسلة يختبرون عالمًا عاطفيًا عميقًا، وهم قادرون على فهم مجموعة واسعة من العواطف وتطوير روابط عاطفية مهمة. والفرق هو أنهم قد يعالجون المعلومات العاطفية بشكل مختلف، مما قد يؤدي في بعض الأحيان إلى صعوبات في تحديد المشاعر أو التعبير عنها. كما أنه في بعض الأحيان تكون هناك إشارات اجتماعية في الفهم، لكن هذا لا يؤثر على القدرة على فهم العواطف.
أخيرًا، من المهم أن نتذكر أنه وراء كل الدراسات، البيانات والإحصائيات، هناك أشخاص - أطفالًا وبالغين - يعيشون في طيف التوحد. كل واحد منهم هو عالم كامل، مع نقاط قوة وتحديات وأحلام فريدة من نوعها. وبينما نواصل تعميق فهمنا، وكسر الوصمات وتعزيز الوعي الاجتماعي، يمكننا إنشاء عالم أكثر شمولاً للأشخاص من ذوي الإعاقة. وفي الوقت نفسه، فإن التقدم في الأبحاث يجلب معه أيضًا الأمل في المزيد من الدعم والفهم، وتكافؤ الفرص وحياة مليئة بالمعنى وتحقيق الذات لكل شخص، بغض النظر عن موقعه في طيف التوحد.
ساعد في إعداد المقال: عيدو ميخائيلي عاشور، معالج النطق، قسم التوحد في وزارة الصحة ومدير مركز "شافيم" في القدس.