الوقاية من الانتحار: الكشف المبكر، التحديد والعلاج
الأسطورة التي تقول إن من يريد أن ينتحر، سينتحر في النهاية، هي خاطئة. في الواقع، التدخلات العاطفية، السلوكية، الدوائية والبيئية يمكنها أن تقلل بشكل كبير من معدلات الانتحار. اليوم، وبحسب الأبحاث، نعلم أن الشخص الذي يفكر في الانتحار دائمًا يكون لديه تردّد (ازدواجية) حيال الفعل الانتحاري، ولذلك فإن تأخيره والتدخل في الوقت المناسب يمكن أن ينقذ الأرواح. أيضًا، الأسطورة التي تقول إن من يتحدث عن الانتحار لا ينوي فعله هي خاطئة – من المهم التعامل مع كل تهديد بإنصات وجدية. إذا ما الذي يمكن فعله لمنع الانتحار؟ الاستراتيجيات لمنع الانتحار متعددة ومن أنواع مختلفة. في هذه الصفحة نعرض الاستراتيجيات المركزية والمدعومة بالأبحاث لمنع الانتحار.
تقييد الوصول إلى وسائل قاتلة
أحد أكثر الوسائل فعالية لمنع الانتحار هو تقييد الوصول إلى الوسائل الخطيرة. هناك أمثلة تاريخية مهمة لمنع الانتحار بطرق كهذه. على سبيل المثال، عندما تم تغيير تركيب الغاز في أجهزة التدفئة المنزلية بحيث لا يحتوي على كميات قاتلة من أول أكسيد الكربون (CO)، انخفضت نسبة الانتحار بشكل كبير. حدث ذلك لأن الوسيلة القاتلة لم تكن متاحة، مما أتاح فرصة لطلب المساعدة أو للندم المفاجئ. حدثت حالات مشابهة عند إزالة طرق الوصول إلى جسور عالية كانت تُعتبر "نقطة ساخنة" للانتحارات. في البلاد، فإن تغيير سياسة حمل السلاح في الجيش الإسرائيلي وتقليل حمل السلاح من قبل الجنود الموجودين في إجازات، يُظهر جيدًا تطبيق مبدأ منع الوصول إلى وسائل قاتلة. تغيير السياسة، إلى جانب تغييرات في نظام الصحة النفسية في الجيش، أدى إلى انخفاض بنسبة 40% في عدد حالات الانتحار في الجيش الإسرائيلي.
القيود المختلفة على الوسائل تمنح وقتًا
الوقت هو عنصر حاسم وأساسي للتعامل مع تقلبات النية الانتحارية، لأن الأبحاث أظهرت أن الكثير من حالات الانتحار ومحاولات الانتحار تتم بشكل اندفاعي في لحظات ضيق وأزمة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الوقت الذي يمرّ بين اتخاذ قرار تنفيذ محاولة انتحار وبين التنفيذ قد يكون بضع دقائق فقط. في هذا السياق، من المهم الإشارة إلى أنه في معظم الحالات التي لا تكون فيها وسيلة الانتحار المتوقعة متاحة – على سبيل المثال، طريق الوصول إلى الجسر مغلق أو أن عدد الحبوب في العبوة غير كافٍ – فإن الشخص الانتحاري يتراجع عن إيجاد وسيلة أخرى، ويختار عدم تنفيذ الفعل الانتحاري. لذلك، فإن تقييد الوصول إلى الوسائل القاتلة مثل الأسلحة النارية، الأدوية والمواد الكيميائية الخطرة، وتأمين الأماكن الخطيرة مثل الشرفات، الجسور، وسكك الحديد – مُثبت كوسيلة ناجعة في منع الانتحار.
يمكن اعتبار تطبيق تقييد الوصول للوسائل الخطيرة كسلسلة، تتراوح بين الإلغاء الكامل، التأخير، والتدخل بعيد المدى:
- إلغاء أو إزالة مطلقة: مثلًا، حظر طرق الوصول إلى الأسلحة النارية.
- تأخير: مثلًا، إعاقة الوصول عبر تركيب درابزينات وحواجز في الأماكن المرتفعة.
- تدخل بعيد المدى: تعزيز تدخلات تعليمية واجتماعية لرفع الوعي والسلامة، مثل برامج تدريب الأطباء أو المعلمين على التوعية بخصوص تقييد طرق الوصول.
توصيات لقيود ممكنة على طرق الوصول إلى وسائل قاتلة
توصيات لقيود ممكنة على طرق الوصول إلى وسائل قاتلة – بإمكانها إنقاذ الأرواح:
- تخزين الأدوية والمواد الخطرة في أماكن مرتفعة، آمنة ومخفية.
- تخزين الأسلحة حسب التعليمات المفصلة في القانون. إذا كان لديك قريب معرض للخطر ويحمل سلاحًا، من المفضل أن تعرض عليه الاحتفاظ بالمفتاح أو الكود لمكان التخزين الآمن الذي يخزن السلاح فيه.
- تقييد طرق الوصول إلى وسائل قد تكون خطيرة مثل السكاكين وشفرات الحلاقة، مواد التنظيف، المبيدات، وما إلى ذلك.
- تقييد وحجب طرق الوصول إلى النوافذ والشرفات التي لا تحتوي على حواجز حديدية (درابزينات).
إنتبهوا
إنتبهوا
: إذا كنت تعلم أن أحد أفراد عائلتك أو أصدقائك في خطر مرتفع للانتحار، من المهم الالتزام بهذه التعليمات بشكل خاص. من المستحسن التحدث مع الشخص بصراحة والشرح له أن هذه القيود ضرورية لحمايته، وستُزال عندما تنتهي الأزمة. ولكن إذا كنت تخشى أن هناك خطرًا فوريا على حياة هذا الشخص، من المهم التوجه إلى الشرطة فورًا.
الخطوط الساخنة للإسعاف النفسي الأولي
خطوط الهاتف أو مواقع الإنترنت التي تقدّم ردّا مجهول الهوية وسريعا لمن هم في ضائقة، تكون فعّالة (غالبًا) على مدار 24 ساعة، وتُقدم هذه الخدمة مجانًا. يشغل هذه الخطوط طاقم مرّ بتدريب ملائم لتقديم استجابة أولية مهنية وفورية، حتى في ساعات الليل، حين يكون من الصعب التوجه إلى مصدر مساعدة آخر. في حالات الخطر الانتحاري المرتفع – يمكن تحديد موقع المتصل بهدف إنقاذ حياته.
معلومات عن الخطوط الساخنة الموجودة في إسرائيل يمكنك إيجادها هنا >>>
جهات الدعم والمساعدة
رصد مُخَطَّط (مبادر له) للأشخاص المعرضين للخطر – المنع من خلال الكشف المبكر
إنتبهوا:
إنتبهوا:
في الحالات التي يكون فيها شك بوجود خطر انتحاري فوري، من المهم التوجه إلى غرفة الطوارئ أو الطوارئ النفسية.
تثقيف المراهقين في مواضيع الاكتئاب والسلوك الانتحاري
تثقيف الفتيان والفتيات في مواضيع الاكتئاب والانتحار يُساعد في منع الانتحار بعدّة طرق أساسية:
- زيادة الوعي وتحديد الإشارات المبكرة: يتعلم المراهقون التعرّف على علامات الضيق النفسي بأنفسهم ولدى أصدقائهم.
- تقليل الوصمة: التثقيف المفتوح في هذه المواضيع يُقلّل من الشعور بالخجل والحرج الذي قد يُرافق التعامل مع الصعوبات النفسية والانتحار، مما يشجعهم على طلب المساعدة عند الحاجة.
- التزويد بأدوات للتعامل: التثقيف في هذه المواضيع يُتيح للمراهقين اكتساب أدوات لإدارة حالات الضغط والضيق، مما قد يُقلل من خطر السلوك الانتحاري.
- تشجيع الدعم الاجتماعي: يمكن للمراهقين أن يصبحوا مصدر دعم متاح لأصدقائهم.
- تحسين طرق الوصول إلى المساعدة المهنية: التثقيف يُعزّز الوعي بمصادر الدعم المتاحة مثل الخطوط الساخنة وخدمات الاستشارة.
التعرف على إشارات التحذير لدى المراهقين – إلى من يجب التوجه
مرحلة المراهقة هي فترة مضطربة، وأحيانًا قد يُظهر الفتى أو الفتاة إشارات ضيق قد تبدو مقلقة جدًا للوالدين. في كثير من الحالات، قد تكون هذه إنذارات "كاذبة"، أو سلوكيات وتغيرات عاطفية شائعة في هذه المرحلة التطورية. ومع ذلك، فإن الانتباه إلى الضائقة لدى المراهقين، والى الإشارات إلى أفكار انتحارية لديهم – هو أمر في غاية الأهمية وقد يُنقذ حياة:
- تحدثوا مع الفتى أو الفتاة: حوار صادق ومفتوح حول حالتهم، وإذا لزم الأمر، اطلبوا مساعدة من جهات مهنية. إذا رفض المراهقون التحدث معكم عن مشاعرهم، يُوصى بإشراك شخص مقرّب منهم يحاول فهم الوضع والتحدث معهم.
- التوجه إلى مستشارة المدرسة: تقوم المستشارة بفحص الحالة وقد توصي بتقييم انتحاري من قبل الخدمة النفسية التربوية (دون تكلفة) أو تقييم نفسي. يمكن أيضًا التوجه مباشرة إلى الخدمة النفسية التربوية في مكان السكن.
- التوجه إلى طبيب أو طبيبة العائلة أو الأطفال: الأطباء يُصدرون إحالة لتقييم نفسي أو علاج نفسي.
- بناءً على نتائج التقييم من الجهات المهنية: يُوصى بالنظر في علاج نفسي للفتى أو الفتاة، وفي المقابل إرشاد الوالدين.
منع الانتحار بين من يُعرف أنهم في خطر انتحاري
عندما يكون التدخل موجّهًا لأولئك المعروف أنهم في خطر انتحاري، فإن المبادرة للتواصل الفعّال مع مقدّمي الخدمات بعد الخروج من المستشفى، غرفة الطوارئ أو بعد أزمة انتحارية، تساهم في منع السلوك الانتحاري. في مجال الأدوية: ثبت أن الأدوية المضادة للاكتئاب تمنع محاولات انتحار. كما وُجد أن مادة الكيتامين تُقلّل من الأفكار الانتحارية خلال ساعات، لكن لم يتم اختبار فعاليتها في منع السلوك الانتحاري نفسه.
تدخلات في العلاج النفسي
العلاج الإدراكي-السلوكي المخصّص لمنع الانتحار (CBT-SP)والعلاج الجدلي-السلوكي (DBT) والعلاج التفاعلي الشخصي لمنع الانتحار (IPT-SCI)كلها أُثبتت كعلاجات نفسية فعالة في تقليل السلوك الانتحاري.
في السنوات الأخيرة، تم تطوير نُسخ رقمية من هذه التدخلات كعلاجات ذاتية (مع أو بدون توجيه من مختص) وُجدت فعّالة في تقليل الأفكار الانتحارية. تدخلات أخرى فعّالة في منع الانتحار تشمل إعداد "خطة أمان" ملائمة شخصية للحظات الأزمة والضيق وانتاج علاقة متواصلة وداعمة مع الأشخاص المعرضين للخطر، عبر رسائل مكتوبة وبسيطة تُظهر الدعم والحضور المتواصل حتى بعد انتهاء العلاج. هذه التوجهات لا تزال قيد البحث والتطوير بهدف توسيع نطاق من يمكنهم تلقي المساعدة والتغلب على عوائق تلقي العلاج، مثل محدودية الموارد والوصمة الاجتماعية.
لهذه العلاجات، مع التعديلات اللازمة عند الحديث عن الأطفال والمراهقين، كبار السن، الأقليات أو مجموعات خاصة – توجد عناصر مهمة تساهم في فعالية العلاج ومنع الانتحار، ومنها: التركيز على بناء علاقة وعهد علاجي، بناء خطة علاجية شخصية لتوجيه التدخل، تزويد المتعالج بمهارات وإرشادات لتقييد الوصول إلى الوسائل الخطرة كجزء من خطة الأمان. في حالات المراهقين، إشراك أفراد عائلة والوالدين بالتدخل، وخصوصًا في منح المهارات، هو أمر بالغ الأهمية.
كُتب بالتعاون مع طاقم البرنامج الوطني لمنع الانتحار.
ساهم في الكتابة كل من: د. شيرا برزِيلاي – أخصائية نفسية سريرية، محاضرة كبيرة في قسم الصحة النفسية المجتمعية، جامعة حيفا، ونداف هوروڤيتس – أخصائي نفسي في تخصّص سريري.