ما هو الاكتئاب

الاكتئاب أو اضطرابات الاكتئاب هي مصطلح شامل لعدة حالات تتميز بمشاعر مستمرة من الحزن، الفراغ أو انعدام الأمل، جنبًا إلى جنب مع أعراض جسدية، تؤثر بشكل كبير على القدرة على أداء الأنشطة اليومية. تختلف شدة الاكتئاب، مدته وطريقة ظهوره من شخص لآخر.

لفهم ما هو الاكتئاب وعلاجه بنجاح، من المهم أيضًا أن نعرف أن هناك أنواعًا مختلفة من الاكتئاب وأن نكون على دراية بالأعراض المختلفة. يمكن أن تساعدك المقالة التالية في تنظيم أفكارك حول هذا الموضوع، وفهم الوقت الذي يكون فيه من الضروري طلب المساعدة.

متى يكون الأمر اكتئابًا

جميعنا نمر بفترات من الحزن أو الكآبة - وهي جزء طبيعي من الحياة. نحن جميعًا نواجه تغييرات في الحياة تتطلب التكيف، تعزيز الحصانة النفسية، وأحيانًا طلب المساعدة من مصادر دعم مثل العائلة، الأصدقاء والمجتمع. إذا كنت تشعر بالتعب، نفاد القوة أو القلق والفراغ الذي لا يمكن ملؤه، ونتيجة لذلك يتأثر أداؤك اليومي، فقد يكون ذلك اكتئابًا.

يمكن القول إن الاكتئاب يتميز بمشاعر الحزن، لكنه يتعدى ذلك بكثير. نوعية وطبيعة الشعور في الاكتئاب تختلف عن الحزن، والشدة التي يتم تجربته بها تكون عالية.

يسبب الاكتئاب للشخص أن يرى العالم ونفسه من خلال نظارات قاتمة ومتشائمة. غالبًا ما تكون هذه المشاعر مصحوبة بصعوبة في التركيز، التردد في اتخاذ القرارات، تقدير ذاتي منخفض ومشاعر غير عقلانية وغير مبررة من الذنب. في بعض الأحيان، يكون الألم النفسي شديدًا لدرجة أن الشعور باليأس وانعدام الأمل في التغيير قد يؤدي إلى أفكار عن الموت وحتى الانتحار.

يؤثر الاكتئاب أيضًا على الجسم، ويمكن أن يظهر ذلك في التعب، تغييرات في الشهية والوزن، اضطرابات النوم وآلام مختلفة مثل آلام البطن، الرأس أو العضلات، الخمول والتباطؤ في النشاط. في بعض الأحيان، قد يظهر الاكتئاب حتى في شكل زيادة خطر الإصابة بأمراض جسدية.

انتشار اضطرابات الاكتئاب

في المجتمع العام، تبلغ نسبة انتشار اضطرابات الاكتئاب متوسطًا قدره 8.3%، وهي أكثر شيوعًا بين النساء وفي ثقافات مختلفة توجد أساليب تشخيص مختلفة.

أعراض الاكتئاب

يتم تشخيص الاكتئاب عندما تظهر على الشخص على الأقل 5 أعراض من بين 9 أعراض محتملة - يجب أن يكون أحد هذه الأعراض من بين الأعراض الأولى في القائمة التالية. شرط آخر للتشخيص هو أن تظهر الأعراض طوال اليوم لمدة لا تقل عن أسبوعين:

• المزاج المنخفض طوال اليوم، تقريبًا كل يوم. مشاعر الحزن، القلق والفراغ.
• فقدان الاهتمام أو عدم المتعة من الهوايات والأنشطة التي كنت تحبها في الماضي.
• تغييرات في الشهية، مثل تناول الطعام بكثرة أو أقل من المعتاد، أو على العكس - فقدان أو زيادة كبيرة في الوزن دون اتباع حمية. بدون أي محاولة متعمدة للقيام بذلك.
• اضطرابات النوم، بما في ذلك الأرق أو النوم المفرط.
• التململ أو عدم القدرة على البقاء في حالة راحة، أو على العكس - بطء ملحوظ في النشاط.
• التعب ونقص الطاقة.
• شعور بعدم القيمة أو شعور مفرط بالذنب.
• صعوبة في التفكير أو في القدرة على التركيز، النسيان، صعوبة في اتخاذ القرارات، حتى البسيطة منها.
• أفكار عن الموت، أفكار انتحارية، أو محاولات انتحار.

إذا كنت أنت أو أي شخص من المقربين لك يعاني من مشاعر مشابهة للأعراض المذكورة، لمدة تتجاوز الأسبوعين، وتؤثر على الأداء اليومي وتثير القلق من أنها ليست مجرد حالة اكتئاب مؤقتة، من المهم طلب إستشارة مهنية. لا داعي للانتظار حتى يزداد الوضع سوءًا والبقاء مع ذلك بمفردك - التوجه المبكر للمساعدة يزيد من فرص التعافي. يمكن التوجه إلى طبيب أو طبيبة العائلة في صندوق المرضى، أو لنظام الصحة النفسية في صندوق المرضى.

أنواع اضطرابات الاكتئاب

الاكتئاب لا يبدو دائمًا بنفس الشكل. عند الحديث عن الاكتئاب، غالبًا ما يُقصد الاضطراب الاكتئابي الحاد (الاكتئاب الجسيم – Major Depressive Disorder))، وهو النوع الذي تم وصفه حتى الآن. يمكن أن يظهر هذا الاكتئاب على شكل نوبة واحدة أو نوبات متكررة (Major Depressive Disorder, Single and Recurrent Episodes)، وقد يترافق مع سمات خاصة، مثل:

• اكتئاب قلِق (Anxious Depression): يتميز بالقلق والتوتر وعدم الراحة.
• اكتئاب ميلانكولي (Melancholic Depression): يتميز بالحزن العميق، فقدان المتعة والاهتمام، وأعراض جسدية مثل فقدان الشهية واضطرابات النوم.
• اكتئاب مع سمات ذهانية: يشمل أفكارًا وهلوسات غير واقعية (أوهام)، مثل: "أنا السبب في كارثة 11 سبتمبر"، "لا يوجد لدي مريء، لا أستطيع الأكل"، "جميع أفراد عائلتي ماتوا" (رغم أنهم على قيد الحياة وغير ذلك.
• اكتئاب ما حول الولادة (Peripartum Depression): قد يظهر خلال الحمل أو في الأسابيع والأشهر التالية للولادة.
• اكتئاب موسمي (Seasonal Affective Disorder): يحدث خلال تغير الفصول، ويُعرف أيضًا بـ"اكتئاب الشتاء"، ويتميز بشهية زائدة، رغبة في النوم، بطء عام وانعزال.

بالإضافة إلى ذلك، تحت الفصل الذي يتناول الاكتئاب في دليل التشخيص النفسي، الـDSM-5، توجد عدة اضطرابات اكتئابية أخرى، من بينها:

• الاضطراب الاكتئابي المستمر(ديستيميا:Dysthymia): المقصود باضطراب يتميز بأعراض اكتئابية، عادةً بشدة أقل وبتأثير وظيفي أخف، ويستمر لمدة لا تقل عن سنتين.
• اضطراب انفجاري في تنظيم المزاج: (Disruptive Mood Dysregulation Disorder): يُشخَّص في سن الطفولة والمراهقة، ويتميّز بحالات من التهيّج، الغضب ونوبات غضب متكررة وغير متناسبة مع العمر والموقف.
• اضطراب ما قبل الحيض المزعج: (Premenstrual Dysphoric Disorder): يتميز بأعراض مثل التوتر، العصبية، المزاج المنخفض، تقلبات المزاج، القلق، فقدان الاهتمام، صعوبة في التركيز، اضطرابات في النوم، تعب وأعراض جسدية. تظهر هذه الأعراض في دورتين شهريتين على الأقل، في الفترة ما بين الإباضة وبداية الحيض، ثم تختفي لمدة تصل إلى 7 أيام – حتى الإباضة التالية.
• الاضطراب الاكتئابي الناتج عن مواد أو أدوية (Substance/Medication-Induced Depressive Disorder): قد يظهر هذا الاضطراب كجزء من الآثار الجانبية لاستخدام منتظم (بوصفة طبية) لمواد أو أدوية، أو نتيجة إساءة استخدامها، أو خلال فترة الانسحاب منها.
• الاضطراب الاكتئابي الناتج عن حالة طبية أخرى (Depressive Disorder Due to Another Medical Condition): قد ينجم هذا الاضطراب عن حالة جسدية، مثل: قصور نشاط الغدة الدرقية. لذلك، عند التشخيص، من المهم إجراء فحوصات جسدية أيضًا، لاستبعاد مشكلة جسدية أخرى.

الأشخاص الذين يواجهون فقدانًا كبيرًا أو تجربة حياتية صادمة قد يختبرون في كثير من الأحيان مشاعر من الحزن، الغضب، الإحباط وغيرها بشكل طبيعي. من المهم الإشارة إلى أن مشاعر مشابهة قد تظهر أيضًا نتيجة لأحداث يُفترض أنها جيدة وإيجابية، مثل الولادة (بالطبع، للاكتئاب بعد الولادة خصائص معينة)، الانتقال إلى منزل جديد، الترقية في العمل، أو حتى الفوز في اليانصيب. بمعنى آخر، العبء والشدة التي يمثلها الحدث، حتى وإن كان يُعتبر تجربة إيجابية، قد تؤدي إلى شعور عاطفي مفرط. عندما يؤدي هذا الشعور العاطفي المفرط إلى معاناة نفسية وانخفاض في الأداء في عدة مجالات من الحياة، قد يكون ذلك دليلًا على الاكتئاب، أو بمعنى أدق - اضطراب الاكتئاب.

في فترة الحداد عقب فقدان شخص مقرّب، كثيرًا ما تظهر أعراض تكون شدّتها ومدّتها مشابهة للاكتئاب، لكنها مرتبطة بالخسارة نفسها وتبعاتها. على سبيل المثال: صعوبة في النوم بسبب أفكار عن الشخص الذي فارق الحياة، أو شعور بالذنب لأنني كان بإمكاني قضاء وقت أطول مع الشخص الذي لم يعد موجودًا، وغيرها. إذا استمرت هذه الحالة لفترة طويلة وكانت شدّتها عالية، فقد يتم تشخيص "حداد معقّد". في كل الأحوال، يُوصى بالتشاور وتلقّي علاج إذا وُجدت معاناة نفسية كبيرة.

هذه فرصة جيدة لشرح أنه في الاضطرابات النفسية، من الشائع أن يجد المريض أو المريضة صعوبة في رؤية ما وراء "رؤية النفق". أي أن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب يجدون صعوبة في رؤية خيارات وطرق أفضل، وهو ما يمكن تسميته بـ "رؤية المروحة". فقدان الأمل والصعوبة في الإيمان بأن الوضع يمكن أن يتغير وأنه يمكن الحصول على المساعدة والشفاء، هما الصعوبات الرئيسية. لهذه الأسباب، هناك أهمية كبيرة للدعم العائلي، الاجتماعي والمهني. بالإضافة إلى ذلك، من المهم أن نعلم أن نسب النجاح في علاج الاكتئاب عالية جدًا. رغم أنه لا يزال هناك تحديات، إلا أنه مع المساعدة المهنية المناسبة يمكن العودة للتنفس والشعور بتحسن.