سلامة التطعيمات
تُعد التطعيمات من أكثر الطرق فعاليةً وأمانًا للوقاية من الأمراض المُعدية في الأعمار التي يكون فيها الأطفال أكثر عُرضةً للإصابة بها. وتظل حماية اللقاحات مُلازمةً للأطفال لسنواتٍ قادمة، بل قد تمتد أحيانًا طوال حياتهم. وقد تُصاحب التطعيمات أحيانًا آثارٌ جانبية، والتي تنجم غالبًا عن تنشيط الجهاز المناعي. وقد رُبطت شائعاتٌ كثيرةٌ بهذه الآثار الجانبية وباللقاحات عمومًا، مما يُثني الأهل أحيانًا عن تطعيم أطفالهم.
سنتناول بعض هذه الشائعات، ونقدم أدوات لتقييم مصداقية شائعات أخرى. ولكن قبل ذلك، كيف يتم أصلًا اختبار سلامة اللقاح؟
الطريق الطويل للمصادقة على اللقاح
يخضع كل لقاح – من الأقدم إلى الأحدث – لسلسلة من التجارب السريرية البشرية. تُجرى التجارب السريرية على ثلاث مراحل:
مجموعة صغيرة
يتم اختبار سلامة اللقاح على مجموعة صغيرة من الأشخاص الأصحاء، من كل فئة عمرية يستهدفها اللقاح (بما في ذلك الرضع).
مجموعة كبيرة
يتم اختبار فعالية اللقاح على مجموعة أكبر من الأشخاص.
المجموعة الضابطة
: يُعطى اللقاح لمجموعة ضخمة من الأشخاص، قد يصل عددهم إلى عشرات الآلاف. في هذه المرحلة، تتلقى مجموعة ضابطة لقاحًا وهميًا (بلاسيبو)، أو لقاحًا آخر خصائصه معروفة، دون أن يعرف الباحث أو المشارك في الدراسة من تلقى اللقاح فعلًا ومن تلقى اللقاح الوهمي – اختبار أعمى.
في كل تجربة، تُجمع تقارير من كل مشارك لتحديد الآثار الجانبية المحتملة. في نهاية المراحل الثلاث تتوفر بيانات كافية، تم جمعها على مدى فترة زمنية طويلة، لتقييم سلامة اللقاح وتحديد الآثار الجانبية المحتملة.
في هذه المرحلة، إذا كان اللقاح آمنًا وفعالًا، تتم المصادقة عليه ويبدأ تسويقه، لكن عملية الاختبار لا تنتهي عند هذا الحد. يتم إجراء متابعة لمدة خمس سنوات لتحديد الآثار الجانبية النادرة للغاية، وهناك سوابق للقاحات حُددت فيها آثار جانبية جديدة في هذه المرحلة، وتم تنحيتها. كلما كان اللقاح أقدم، وتم منحه لعدد أكبر من الأشخاص حول العالم، قلّ خطر ظهور آثار جانبية جديدة ونادرة.
من المهم التذكر
من المهم التذكر
اللقاحات الروتينية المستخدمة في إسرائيل هي لقاحات قديمة جدًا، تُعطى منذ عقود في جميع أنحاء العالم. احتمال اكتشاف شيء جديد ونادر لم يُكتشف فيها ضئيل. في المقابل، فإن خطر الإصابة بهذه الأمراض واضح وجلي.
المواد التي تصنع منها اللقاحات
بالإضافة إلى المادة الفعالة، يحتوي كل لقاح على مواد إضافية لها دور. يقلق الكثير من الآباء من الشائعات حول هذه المواد، لكن كميتها في اللقاح لا ينبغي أن تضر الجسم.
وفيما يلي بعض الأمثلة للمواد التي أطلقت عنها الشائعات:
هناك مواد أخرى، بعضها حقيقي وبعضها مُختلق، انتشرت شائعات حولها. في النهاية، في كل مرة تُروّج شائعة حول إضافة مادة جديدة إلى اللقاح، يحاولون من خلالها إثارة القلق. تذكروا أن جميع اللقاحات المُعطاة في إسرائيل خضعت لاختبارات دقيقة من قِبل أطباء وباحثين في سلسلة طويلة من الدراسات، ومن خلال مراجعات مراقبة على مدار فترة طويلة، حتى بعد اعتماد اللقاح. احتمالية حدوث مفاجآت مع لقاح قديم معدومة.
للحصول على معلومات مفصلة حول المكونات الشائعة في اللقاحات، يمكنك التعمق أكثر في موقع دائرة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA).
ومن هنا ننتقل إلى شائعات معينة حول اللقاحات، ونرى كيف أنها لا تصمد أمام اختبار الواقع.
سلامة اللقاحات: الشائعات مقابل الواقع
-
1لا توجد علاقة بين لقاح الحصبة والتوحد
لنبدأ من النهاية: لا توجد صلة بين لقاح الحصبة والتوحد. يعود أصل هذه الشائعة إلى دراسة نُشرت في أواخر التسعينيات أشارت إلى وجود صلة بين لقاح الحصبة، النكاف والحصبة الألمانية (MMR) والالتهابات المعوية لدى الأطفال المصابين بالتوحد. ومن ثم، تطورت إلى شائعة مفادها أن اللقاح يُسبب التوحد - وهي شائعة أخافت العديد من الأهالي ودفعتهم إلى عدم تطعيم أطفالهم. ولا تزال نتائج هذه الشائعة وشائعات مماثلة تُرى حتى اليوم في حالات تفشي متكررة للحصبة - وهي واحدة من أكثر الأمراض المعدية المعروفة للإنسان، مع معدل كبير من المضاعفات، بما في ذلك تلف الدماغ. من المهم أن نفهم: اللقاح لا يُسبب التوحد، ولكن المرض يمكن أن يُسبب تلفًا في الدماغ.
لقد تم دحض الدراسة التي بدأت كل هذا، واكتُشفت فيها مشاكل منهجية وأخلاقية. وفي النهاية، وبعد أكثر من عقد من التأخير، حُذفت المقالة تمامًا من الأدبيات العلمية. بعد نشر المقالة، أُجريت سلسلة من الدراسات على أكثر من مليون طفل حول العالم. أشهرها "الدراسة الدنماركية" التي فحصت بيانات جميع الأطفال المولودين في الدنمارك بين عامي 1991 و1998 (أكثر من نصف مليون طفل). تلقى حوالي 80% منهم لقاح MMR، ولم يُلاحظ أي فرق في معدل الإصابة بالتوحد بينهم وبين من لم يتلقوه. حتى في التحليل التلوي (جمع بيانات من عدة دراسات مستقلة تناولت سؤالًا بحثيًا مشابهًا، وهكذا يتم التوصل إلى استنتاج أكثر شمولًا ودقة) الذي فحص دراسات مختلفة، أشارت النتائج إلى عدم وجود صلة بين اللقاح وتطور التوحد أو اضطراب طيف التوحد.
هناك دراسات أخرى عديدة، منها دراسة ممولة من قبل مناهضين للقاحات، توصلت جميعها إلى نفس النتيجة. لقد تم إنكار الصلة بين اللقاح والتوحد مرارًا وتكرارًا، لكن حجرًا يُلقى في بئر من قِبل أحمق واحد، حتى ألف حكيم لن يتمكنوا من انتشاله.
-
2لا توجد علاقة بين اللقاحات وتطور داء السكري
داء السكري من النوع الأول، أو سكري الأطفال، هو مرض مناعي ذاتي (أي مرض يُنتج فيه الجسم أجسامًا مضادة مُدمرة ذاتية)، والذي ينتج عن تدمير الجهاز المناعي لخلايا البنكرياس المُفرزة للأنسولين. وقد بحثت العديد من الدراسات في وجود صلة بين اللقاحات المختلفة وداء السكري لدى الأطفال، وأشارت نتائجها إلى عدم وجود مثل هذه الصلة. على سبيل المثال، فحصت دراسة أُجريت في الدنمارك الأطفال المولودين في البلاد بين عامي 1990 و2000، وأظهرت عدم وجود صلة بين داء السكري من النوع الأول واللقاحات التي تلقوها. وبحثت دراسة أخرى الصلة بين تلقي اللقاحات المختلفة في مرحلة الطفولة والعمر الذي أُعطيت فيه وخطر الإصابة بداء السكري من النوع الأول، وخلصت إلى عدم وجود صلة. كما لم يجد تحليل تلوي أُجري على العديد من الدراسات حول هذا الموضوع أي صلة بين داء السكري واللقاحات.
-
3اللقاحات لا تزيد من خطر الإصابة بمتلازمة موت الرضع المفاجئ
لم تجد العديد من الدراسات التي بحثت في وجود صلة بين التطعيم وخطر متلازمة موت الرضع المفاجئ (SIDS) أي نمط يربط بينهما. على سبيل المثال، لم تجد دراسة بريطانية تناولت وفيات متلازمة موت الرضع المفاجئ بين عامي 1993 و1996 في خمس مناطق في بريطانيا، والتي يبلغ مجموع سكانها 17 مليون نسمة، أي صلة بين التطعيم ومتلازمة موت الرضع المفاجئ.
-
4اللقاحات لا تسبب الحساسية
في العقود الأخيرة، ازدادت حالات الحساسية وأمراض المناعة الذاتية. ونظرًا لارتفاع معدلات التطعيم خلال هذه الفترة، اعتقد البعض بوجود صلة بينهما، واعتقدوا أن اللقاحات هي السبب. وقد بحثت العديد من الدراسات العلاقة بين اللقاحات والحساسية وأمراض المناعة الذاتية على مر السنين، لكنها لم تجد أي دليل يربط بينهما. على سبيل المثال، هذه الدراسة. في المقابل، أشارت دراسات أخرى إلى أن زيادة حالات الحساسية وأمراض المناعة الذاتية مرتبطة بالتغيرات البيئية، مثل تلوث الهواء وتغييرات نمط الحياة.
-
5مجموعة اللقاحات في إسرائيل فعالة وآمنة
تم اختبار جميع اللقاحات المُقدمة في إسرائيل على الفئات العمرية المعنية، كما فحصت الدراسات تركيبات مختلفة من اللقاحات – وتبين أنها آمنة وفعالة. إضافةً إلى ذلك، أُعطيت هذه اللقاحات لملايين الأطفال في إسرائيل وحول العالم خلال العقود الأخيرة، والمعلومات الطبية المتراكمة عنها واسعة وتُثبت بأنها آمنة وفعالة بالفعل.
مراقبة الآثار الجانبية
كما ذُكر سابقًا، يخضع كل لقاح لسلسلة واسعة من الأبحاث لاختباراته - بدءًا من التجارب السريرية ووصولًا إلى دراسات المتابعة، بما في ذلك دراسات واسعة النطاق تناولت ظواهر مختلفة لدى الأفراد الذين تلقوا اللقاح وأولئك الذين لم يتلقوه. وقد تناولت هذه الدراسات حالات طبية محددة أو قائمةً ببعض الحالات الطبية، وجميعها تُظهر سلامة اللقاحات.
بالإضافة إلى جميع هذه الدراسات، توجد مبادرات حكومية حول العالم تتيح الإبلاغ المستقل عن الأحداث التي تحدث في أعقاب تناول اللقاحات. هذه آليات مراقبة يتمثل دورها في تحديد الآثار الجانبية غير العادية والنادرة والإبلاغ عنها. أشهر هذه المبادرات هو نظام VAERS الأمريكي، الذي تديره مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) وإدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، والذي يعتمد على الإبلاغ الذاتي. يهدف النظام إلى "تحذير" الأنظمة الصحية في حال تراكم أدلة مستقلة على حدوث آثار جانبية حول لقاح معين، وقد أثبت فعاليته في الماضي لهذه الأغراض. على سبيل المثال، أُعطي لقاح RotaShield المضاد لفيروس الروتا في الولايات المتحدة عام 1998، وبعد جمع أدلة عن الآثار الجانبية في نظام VAERS، توقف إعطاء اللقاح عام 1999.
من المهم أن نتذكر أنه ليست كل ظاهرة تحدث بعد التطعيم مرتبطة باللقاح. إذا تكررت هذه الظواهر لدى العديد من الأشخاص في وقت مماثل بعد تلقي اللقاح، فهذا يُشكل أساسًا لإجراء بحث لفحص العلاقة بين الظاهرة واللقاح.
أما اللقاحات الروتينية، فكما ذُكر، هي لقاحات قديمة جدًا، تُعطى منذ عقود حول العالم. واحتمال اكتشاف شيء جديد ونادر لم يُكتشف بعد عنها ضئيل. في المقابل، فإن خطر الإصابة بهذه الأمراض واضح وجلي.
اختيار مصادر المعلومات الموثوقة عبر الإنترنت
تحتوي شبكة الإنترنت على ثروة هائلة من المعلومات، ليست جميعها موثوقة ودقيقة، ومن المهم معرفة من يقف وراء المنشورات المختلفة للتأكد من أنها من مصدر موثوق. يُنصح بمقارنة أي شائعة حول اللقاحات وسلامتها بمعلومات موثوقة مبنية على أبحاث على مواقع الهيئات الصحية الرئيسية في إسرائيل وحول العالم:
- وزارة الصحة
- دائرة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)
- مراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها (CDC)
- منظمة الصحة العالمية (WHO)
مواقع باللغة العبرية ومعلومات متاحة حول اللقاحات:
إذا كان لديك أي أسئلة، يمكنك أيضًا استشارة طبيب الأطفال الخاص بك والحصول على المعلومات منه مباشرة.
أخيرًا، من المهم أن نتذكر أن اللقاح يحاكي استجابة الجسم الطبيعية لمسببات الأمراض، وأن الحدث برمته ينتهي عادةً في غضون أسبوعين من التطعيم. أما الأحداث التي تحدث بعد أشهر وسنوات من تلقي اللقاح، فمن المرجح ألا تكون مرتبطة به، في حين أن الضرر الذي تسببه مسببات الأمراض قد يكون شديدًا، وأحيانًا لا رجعة فيه، وقد يبقى معنا أو مع أطفالنا لسنوات طويلة.
محتوى هذه الصفحة قيد التطوير.
إذا كان هناك أي شيء قد يثير اهتمامك في الموضوع، نود أن نعرفه!